الدليل على ان الانسان افضل المخلوقات

يقول الامام ابن الجوزي : ليس العجب من ماء يجري في منحدر لكن العجب من صاعد يشق الطريق و يكابد ويغالب العقبات . أتعجب ممن يرى تفضيل الملائكة على الأنبياء
و الأولياء و المسلم الصالح الطائع لربه .

يصبح أحدنا و خطاب الشرع يقول له : الكسب لعائلتك , و احدر في كسبك ثم يقال للغضبان : اكظم , و للبصير : اغضض, و لذي المقول : اصمت , ولمستلد النوم : تهجد ,
ولمن مات حبيبه : اصبر , ولمن أصيب في بدنه : اشكر , وللواقف في الجهاد بين الغمرات : لا يحل أن تفر , ثم اعلم أن الموت يأتي بأصعب المرارات فينزع الروح عن البدن ,
فأذا نزل فا ثبت , واعلم أنك ممزق في القبر , فلا تتسخط , لانه مما يجري به القدر , وان وقع بك مرض فلا تشك الى الخلق .

فتارة يقال للخليل عليه السلام : اذبح ولدك بيدك , واقطع ثمرة فؤادك بكفك , ثم قم الى المنجنيق لترمى في النار .
و تارة يقال لموسى عليه السلم : صم شهرا ليلا و نهارا.

فهل للملائكة من هذه الأشياء شيئ ؟ فهي عبادة ليس فيها مقاومة طبع ولا رد هوى , وهل هي الا عبادة صورية بين ركوع و سجود و تسبيح ؟ ثم أكثرهم في خدمتنا بين
كتبة علينا , و دافعين عنا , و مسخرين لارسال المطر والريح , أكبر وظائفهم الاستغفار لنا . فكيف يفضلون علينا بلا علة ظاهرة ؟ .

في قوله تعالى ( اذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا ) الأنفال : 12.

( فالمقسمات أمرا ) الذاريات : 4 ( فالمدبرات أمرا ) النازعات : 5


ولاتظن أني أعتقد في تعبد الملائكة نوع تقصير , لا , بل لأنهم شديدو الاشفاق و الخوف , لعلمهم بعظمة الخالق و عقوبته فيحدرونه , في قوله تعالى ( ومن يقل منهم اني اله
من دونه فذلك نجزيه جهنم ) الأنبياء : 29 .
لكن طمأنينة من لم يخطئ تقوي نفسه , و انزعاج الغائص من الزلل يرقي روحه الى التراقي .

فان كانت الفضيلة بالعلم فانك تعرف القصة في قوله تعالى ( قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم ) البقرة 32 ( قال ياءادم أنبئهم بأسمائهم) البقرة 33
وان كانت الفضيلة بالتباهي فهو صريح في تفضيلنا عليه في قوله تعالى ( واذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس أبى و استكبر و كان من الكافرين ) البقرة 34 .
وان كانت الفضيلة في جوهرية ذواتهم , فجوهرية أرواحنا من ذلك الجنس لكن نحن علينا أثقال و أعباء الجسم .

فاعرفوا اخواني شرف أقداركم و وصونوا جواهركم من تدنيسها بالذنوب , فأنتم معرض الفضل على الملائكة , فاحذروا أن تحطكم الذنوب الى حضيض البهائم .

المصدر : صيد الخاطر للأ مام ابن الجوزي .