الأيام السوداء تترك أثرها دوماُ
كم مرّت علينا أيام جميلة.. امتزجت بألوان شتّى من الفرح والمتعة والسرور.. وبالمقابل فالأيام السوداء تترك أثرها دائما، وتُبقي سهمها مغروزاً في قلوبنا علّه يخرج مع الأيام.. الحمدلله على كل شيء دائماً..
من إحدى مصارعاتي مع هذه الأيام السوداء التي لم ولن أنساها:
في آخر يوم خميس من شهر كانون الثاني لعام 2010 استيقظت صباحاً مرهقة تنتابني حمى خفيفة، فلم أبالِ كثيراً لهذا الزائر الماكر، وأكملت نشاطي كباقي الأيام، ولكن ما لبث هذا الزائر إلى أن يكشر عن انيابه مساءً، فأبد لي وجهه الآخر (آخ كم هو مخيف).
بدأ يبّث سمّمه في جسدي عضواً تلو الآخر، ولم يكتفِ بذلك إلى أن استسلم له كامل كياني، فأصبحت كالطير الجريح الذي يكلم منتظراً أن يحلّ عليه الفرج، وشعرت بأن جبلاً شامخاً استقرّ على صدري، فأثقل قواه، وضربات قلبي تكاد تسبق نمراً جائعاًيطارد بلهفة لاصطياد فريسته، حاولت أن استعيد قليلاً من همتي الفاترة، فذهبت إلى السيارة بخطواتٍ متثاقلة أرهقتني، ولا أدري لماذ تكاسلت عقارب الساعة حينها ومشت ببطء شديد -علّها خائفة من الظلام الدامس حينها-، والنسيم أخذ ينحسر من قربي رويداً رويدا حتى تحجّرت يداي ورجلاي، -ما أصعبه من شعور حين تحسّ أنك أصبت بشلل كامل في غصون دقاق معدودة، وتشعر أنك ستفارق الحياة، فلا مال ينفع ولا أهل ولا خلّان، وتفكر بماذا ستقابل رب العباد، ما حقر النفس التي غالباً ما تلهث وراء شهواتها وملذات الدنيا الفانية، فلا شيء يساوي العبادات النقية التقيّة التي تقرّبك من ربّك وتحسن مستقرّك-، وبعدها قطعني وخز الإبرة من هذ الشعور، وأعاد لي جزءاً من خيوط التفاؤل الذي تشبث بي كالطفل الرضيع المتعلق بصدر أمّه الحنون، فرجعت لي الحياة من جديد بفضل ربي، وارتدَّ هذا الزائر البشع هارباً خائباَ ومهزوماَ، ولكنّه لم يهدأ له بال إلى أن لأرسل لي بأخٍ شبيه له، فكنت كجثةٍ تمشي على سطح الأرض ، وروحي تلاشت لتعانق السماء، وتحوّلت إلى زهرةٍ ذابلةٍ شاحبةتفتقد روح الحياة وألوانها الزاهية تترقق مع رفيقاتها الزهرات، ولكنَّ بالها سارحٌ وشاردٌ دوماً، تخشى قدوم ما هو غير متوقع.. يا لها من زهرةٍ مسكينة أصبحت تترقب قطرة غيث تعيد لها حيويتها من جديد.. وه هي تستعيد ريعانها مع الأيام..
كم هو صغير هذا الإنسان في كونٍ عظيم أبدعه خالقه..
مهما سعدنا في هذه الدنيا الفانية فلا بد من وجود ما هو غير مرغوب دائماً، ولكن علينا أن لا نيأس ونستسلم..
فبعد أشد الليالي حالكة السواد ستشرق الشمس لمنيرة من جديد، وإذا أشعلنا شمعةً مضيئةً تعيد لن الحياة فضلاً عن لعن الظلام ستسرع الشمس في إشراقها..
عافانا الله وإيّاكم من كل مكروه.