الإسلام الذي نؤمن به عقيدة وعملا لا يقر السلبية في حياة أي شخص ولا يرضي ان تكون خلقا لأي إنسان لذلك فإن الإسلام حث علي العمل ورغب فيه وقال لكل مسلم "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" الجمعة 10. والمسلم وهو مطالب بالسعي والتحرك في المجتمع معه فضائله وأخلاقه عنده أمل ممتد في الحياة وثقة برب كريم وثقة بنفسه يعيش وهو دائم العمل بدقة ومهارة يخطط وينظم ويبتكر في أساليب الأداء يواظب علي صلاته لان صلته بربه تنمي فيه فضائله وتهذب أخلاقه وتصحح مساره وتجعله يبتعد عن الفحشاء والمنكر ومع ذلك فإن الغني والمنصب لا يغيران من أخلاقه ولا يجعلانه يتعالي علي غيره ولا تهتز قيمه لان الإيمان يجعله ينتظر الثواب من الله الذي يحقق له السعادة في الحياة ويرزقه من حيث لا يحتسب فهو يثق بالله القائل "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" طه 112. وقول الحق "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا" الطلاق 2-3. والمسلم عندما تعترضه المشاكل لا تغير من أخلاقه ولا يهتز الإيمان في نفسه وإنما يتغلب علي حل المشاكل بالصبر.
والاستعانة بالله وأمام عينه قول الله سبحانه "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" البقرة 155-157. والمهنة في نظر الإسلام مهما كانت قيمتها فهي أكرم وأشرف من ذل السؤال ومرارة الحاجة والإسلام وهو يدعو إلي العمل دافعه إلي ذلك ان اللقمة التي يأكلها الإنسان بلذة هي التي يحصل عليها من عرق جبينه وتعب جسمه وإلي هذا أشار الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" ولهذا نهي عن التسول ومد يد الإنسان إلي غيره يستجديه لان السائل يأخذ من الناس نارا حامية وجحيما وسعيرا فالسائل يأخذ ذنوب المعطي والمعطي يأخذ من حسنات السائل لهذا ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله "من سأل الناس عن ظهر غني استكثر بها من رضف جهنم قالوا وما ظهر الغني؟ قال: عشاء ليلة" ان السؤال ذل للنفس وهوان لها لذلك يجب علي المسلم ان يكون عنده ورع ويتجنب السؤال الذي يريق فيه ماء وجهه والمسلم يتحلي بالمروءة والشرف وعزة النفس فلقد رباه النبي صلي الله عليه وسلم علي العفة والقناعة والرضا والاعتماد علي النفس وان ضاق عليه الرزق صبر وارتحل من مكان إلي مكان وأخذ في الأسباب وهو يردد:
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلي غد
عسي نكبات الدهر عنك تزول
إن معلم الإنسانية ومربي البشرية كان يوجه الناس إلي العمل ويحثهم عليه لان العمل شرف وعزة وكرامة وينهي عن التسول ومد الأيدي إلي الغير فلقد جاء رجل من الانصار يسأل النبي صلي الله عليه وسلم "فنظر إليه فوجده صحيح الجسم سليم الحواس قوي البنية" فسأله النبي صلي الله عليه وسلم "أما في بيتك شيء؟ قال الرجل: بلي عندي حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه -شيء يشبه الكليم أو البطانية- وقعب نشرب فيه الماء -شيء يشبه القلة أو الشفشق- فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ائتني بهما" فأتاه بهما فأمسك الرسول صلي الله عليه وسلم الحلس والقعب وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم من يزيد علي درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل آخر: أنا أخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما للانصاري وقال له: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلي أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشتري ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: هذا خير لك من ان تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ان المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع" ان الإسلام وقد حث علي العمل ورغب فيه.. ونبهنا إلي الاعتدال في كل شيء في الأكل والشرب فقال لنا "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" الأعراف 31. والإسلام وهو يأمرك بالاعتدال يقول لا تكن مسرفا ولا تكن بخيلا فينبهنا القرآن إلي ذلك ويقول لنا "ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا" الإسراء 29. إن الله سبحانه أباح لك ان تتخذ من الزينة ما تشاء وان تأكل من الطيبات كما تريد وان تلبس وتتزين بما يحلو لك بشرط ان يكون مصدر الاشياء من حلال وقد أديت حق الله فيها من إخراج الزكاة وصدقة التطوع ولهذا قال الله سبحانه "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل