جاء قومثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبدالأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: "يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ"نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولايتغير.
وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أنيوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَهَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّمِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)
ورغم نصاعةدعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون فيدعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءتإرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوايستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوابعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.
قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزةليصدقوه:
وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَاتَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌقَرِيبٌ (64) (هود)
ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرةبالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقالإنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقيةالحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفيلشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس.
وأصدرالله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهمأن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهمبالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدتالناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساءوالأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشتالناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر.
كانصالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، كماذكرهم بإنعام الله عليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصوروالجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهواإلى الذين آمنوا بصالح.
يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح: إِنَّابِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِكَافِرُونَ. هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.
وتحولت الكراهية عن سيدناصالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضدالناقة. وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيمايجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتلصالح نفسه. لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتلالناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد فيالأرض، الويل لمن يعترضهم. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهموسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدتالأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.
علم النبي صالح بما حدث فخرجغاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناهافأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُمَكْذُوبٍ
بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعدهالله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.
ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالحوهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارةواحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولهايبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.
هلكواجميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكانمع نبيهم ونجوا..