كشف ما في القرآن من غيب
أحب أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى نقطة غاية في الأهمية بني عليها كل هذا البحث، ألا وهي أن الغيب يظل غيبا إلى أن يظهره الله عز وجل، بالطرق الآتية:
1- سواء عن طريق رسله أكان غيب مكان،أو غيب زمان، أو غيب أحجام.
2- أو بالمخترعات الحديثة كما رأينا من غيب الأحجام بالميكروسكوبات من ميكروبات متناهية الصغر وبالتليسكوبات مجرات متناهية في الكبر، أو غيب مكان عن طريق بث الأقمار الصناعية في النشرات الإخبارية، وحجب الله عنا غيب الزمان.
ويجب أن نفهم أن كل غيب سيكشفه الله حتما كما وعد، فما ادخره للآخرة من غيب هو رؤية الجنة ورؤية وجه الله الكريم فيها، أما في الحياة الدنيا ...فالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام سينزل بنفسه وبروحه وجسده آخر الزمان كحجة دامغة، فما بالنا بآيات الله المذكورة دوما في القرآن الكريم من عرش وكرسي وسماوات وأرضين ونار ويوم قيامة وأعراف... هل يعقل أن يموت الناس وتنقضي الدنيا وتقوم القيامة ولا تدري البشرية ماهية تلك الآيات ؟ الحكمة هي أن نؤمن بها غيبا، لكن إذا وعدنا الله بكشفها وأخرج لنا من العلوم ما لم يتوافر في الماضي، وذلك تصديقا لكلامه ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويبهت الكافرين وتقوم عليهم الحجج فذلك واقع لا محالة.
لقد أخبرنا الله عز وجل بأنه سيرينا آياته جميعها:
{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [النمل : 93]، فكلما فتح الله علينا علما جديدا في عصرنا هذا نجده مكتوبا بالحرف الواحد في القرآن الحكيم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم منذ 1400 عام!! فالله هو الذي يأذن لنا ويمدنا بما نعلم ونعمل من أجهزة وآلات تقنية تكشف لنا ما حجب عن أهل الماضي من غيب مكاناً وأحجاماً.
{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ } [الأنبياء : 37]، رؤية آيات الله هنا لتزيد المؤمنين إيمانا وتبهت الكافرين، وذلك حاصل في الدنيا، لأن الواقع عند الموت وفي القبر وفي الآخرة لا يحتاج لرؤية آيات الله للتصديق حيث انتهى الأمر، فلا مجال لإيمان أو تصديق أو امتحان أو تعقل أو توبة حيث الموت وحده أكبر آية.
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت : 53]، هذا وعد قاطع من الله لا ريب فيه بأنه سبحانه وتعالى سيرينا آياته في الفضاء وفي الطب، وقد تحقق ذلك عن طريق اختراع التليسكوبات والميكروسكوبات.
وقد وعدنا الله ببيان جل ما في كتابه الحكيم قبل أن تنقضي الدنيا:
{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة : 19]، هل يخفي الله بيان قرآنه في الدنيا ويبينه فقط يوم القيامة ؟؟ بالطبع في الحياة الدنيا لنعلمه ونعيه ونعمل به.
{ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الأنعام : 67]، فما أنبأنا الله به نراه لا محالة.
{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } [صـ : 88]، بعض المفسرين يزعمون أن بعد حين تعني بعد الموت !! لماذا هذا الاستسهال والتراخي ؟ لقد قال رسول الله ( هذا كتاب لا تنقضي عجائبه ولا غرائبه )، مما يعني أن تفاسيره ومعانية ستخرج وتوضح عبر الزمان في الحياة الدنيا ولم تجمد وتنتهي في الماضي، وإذا كان علم القرآن مؤجل للآخرة فلماذا أنزله الله في الدنيا ؟
وقد أكد الله على أن كتابه العظيم لم يغفل شيئا:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام : 38]، وهنا نتساءل هل أنزل الله كتابا شاملا كاملا ليظل كنزا مخفيا ؟ أو ليخرج علمه للناس فيكون حجة لهم أو عليهم ؟
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89]، تأكيد آخر أن القرآن العظيم مبين لكل شيء وليس طلسما لا يمكن فهمه في الحياة الدنيا، وأن الله أنزله ليبين للناس كل شيء في الحياة الدنيا.
{ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف : 111]، أي صراحة أكثر من ذلك في أن القرآن بجانب أنه هدى ورحمة فإنه تفصيل لكل شيء، ولم يختص بالشئون الدينية فقط، وإنما كل شيء على الإطلاق، ولاحظ أن كلمتي هدى ورحمة عطفتا بحرف الواو، بمعنى أن القرآن تفصيلا لكل شيء بجانب أنه هدى ورحمة.