أثارت قضية "فتاة الخبر" حفيظة المجتمع السعودي،
بعدما تحولت إلى قضية رأي عام ، وفتحت باب النقاش مجدداً حول المواقع
التنصيرية ، وخطورتها على الشباب ولاسيما قليلي أو ضعيفي الثقافة الدينية.
وتساءل البعض حول كيفية مواجهة هذه المواقع، وطرق التصدي لها. ولعل هذا هو
ما دفعنا للنقاش حول ظهور مثل هذه الحالات التي لا تتعدى كونها حالات
فردية، إلا أنها تلفت النظر بشكل كبير وتنبئ بمظاهر جديدة للعولمة تحاول أن
تغتال المجتمع في شبابه، وعلى الرغم من محاولات المؤسسات التنصيرية اقتحام
المجتمع السعودي منذ القدم إلا أن هذه المحاولات كانت دائماً وأبداً تبوء
بالفشل الذريع.
حالات فردية
في البداية أكد المواطن محمد فهيم أن قصة فتاة الخبر تعد حالة فردية لا
يمكن أن يقاس عليها، إلا أنها تعد جرس إنذار لعولمة جديدة تحاول أن تغتال
المجتمع، وعلينا جميعاً أن نقف أمامها، وقال: لقد أنعم الله علينا بالإسلام
وأي محاولات لاختراق هذا الدين الحنيف فإن مآلها الفشل الذريع. فيما رأى
المواطن فهد سعيد أن هناك من يحاول أن يسيء للدين الإسلامي، كما أن هناك
البعض الذي يسيء للخطاب الديني ما شوه مفهوم الإسلام الصحيح عند ضعاف
النفوس، ووجّه رسالته إلى علماء وفقهاء الأمة بالرد الفوري والسريع على
الجماعات التنصيرية وتحصين الشباب المسلم بالشكل الصحيح.
وعبّر المعلم سلطان الحارثي عن سعادته من قرار حجب الموقع التنصيري،
محذراً من أن تلك المواقع تهدف إلى تشتيت الشباب من الجنسين ومحاولة جذبهم
ببث مفاهيم خاطئة، وعلينا أن نمنع ونحجب تلك المواقع، مشيراً إلى أن ما
يظهر على الساحة بين الحين والآخر ما هو إلا توابع للعولمة التي نعيشها
الآن ومحاولة لاختراق ثوابت المجتمع السعودي، داعياً الله العلي القدير أن
يحفظ الإسلام والمسلمين.
شبابنا بخير
من جهة أخرى، قال عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للإفتاء الشيخ خلف محمد
المطلق إن المنظمات التنصيرية اتجهت من قديم الزمن للعالم الإسلامي، وباءت
محاولاتها بالفشل، مؤكداً أنه لا توجد مشكلة ولا خوف على شبابنا اليوم من
محاولات التنصير.
وأضاف أن الإسلام اليوم لديه نخبة من الرجال المتميزين في الإعلام والطب
والشريعة، وطلاب العلم يتناقشون مع مؤسسات التنصير واليهود، معتبراً أن ما
يحدث حالياً هذه صغائر لا يجب أن نلتفت إليها.
ورأى المطلق أن أخطر ما يواجه البلدان الإسلامية هي الدعوات الليبرالية
والعلمانية، وتوجيه الإعلام المقروء أو المسموع لتغريب الأمة بنشر الأفكار
العلمانية، موجهاً اللوم لوسائل الإعلام لتصعيد هذا الموضوع، وقال إن
شبابنا بخير والإسلام هو خاتم الأديان وعقيدة المؤمن يقين في قلبه.
محاولات يائسة
أما الكاتب الأكاديمي الدكتور مالك الأحمد، فأكد أن المواقع الإسلامية تعد
من أقوى المواقع العربية وفقاً لدراسات الإعلام من حيث التنوع والتفاعلية
والمعلومات، وأضاف أنها بدأت منذ وقتٍ مبكر في المجتمع العربي وخصوصاً في
المملكة العربية السعودية.
وأشار إلى أن المواقع التنصيرية التي تستهدف المجتمع السعودي قليلة جداً،
وأكثرها تأثيراً هي "غرف البال توك"و"غرف محادثة أون لاين"، حيث حاولت
المنظمات التنصيرية استمالة الشباب والتأثير فيهم لكنها لم تنجح، لأن
الولاء للدين الإسلامي ما زال هو السائد لدى الشباب السعودي، موضحاً أن
جميع محاولات التنصير تعد حالات فردية ليس لها تأثير ملموس، وأشار إلى أن
النصرانية كدين لا ينجح تأثيرها إلا في البلدان الفقيرة.
وأضاف الأحمد أن هذه المواقع يمكن أن تحدث اهتزازاً في بعض مفاهيم الفرد،
لكنها لا تؤثر في ثوابت العقيدة، فالغرب يرى السعودية كما يقولون آخر قلاع
الإسلام، ولذا يحاولون هدمها والانسلاخ من الهوية الإسلامية لتصبح مثل أي
دولة أخرى، إلا أن مستوى التدين في السعودية سيظل أقوى وأكثر من أي دولة
أخرى.
قصة القسيس
رأى مدير مركز ركن الحوار في الدمام المهندس ماجد العصيمي بدوره، أن هناك
الكثير من المؤسسات التنصيرية تعتمد على بعض التطبيقات التقنية الحديثة
للوصول إلى شريحة الشباب والتي منها الشبكات الاجتماعية والإنتاج المرئي
القصير، بالإضافة إلى أساليب التواصل المباشر، ودائماً ما تسبقها حملات
إعلانية انتقائية تتم باحترافية عبر شركات الإعلانات العالمية.
وقص العصيمي لـ"سبق" محاولات أحد القساوسة معه عبر وسيلة التواصل
الاجتماعي "الفيس بوك" وقال إن القصة باختصار أن أحد القساوسة على الفيس
بوك قام بدعوتي للقائه داخل السعودية للحديث عن النصرانية، وعند اللقاء معه
وبعد طرحه لبعض ما عنده "وكنت وقتها مستمعاً" بدأت أسأله بعض الأسئلة،
أجاب عن الأول ولم يكمل الإجابة عن السؤال الثاني وأثناء إجابته توقف وغادر
المكان من دون حتى أن يودعني!! وأعتقد أنه اكتشف أنني لست الشخص المناسب
الذي يمكن أن يقبل أفكاره من دون نقاش.
مركز ركن الحوار
وحول دور مركز الحوار في التعامل مع هذه المواقع التنصيرية، قال العصيمي،
إن مركز ركن الحوار تم تأسيسه لتعريف غير المسلمين بالإسلام وهو يعمل منذ
عام ونصف العام وأسلم خلال هذه الفترة 962 شخصاً من 92 دولة عبر الإنترنت،
وأوضح أنه ليس من أهداف المركز البحث في قضايا التنصير، معتقداً أن أفضل
وسيلة للتعامل مع تلك المهاترات هو التعريف أكثر وأكثر عن الإسلام بالحكمة
والموعظة الحسنة كما أمرنا رب العزة في كتابه.
وأعرب العصيمي عن عدم اعتقاده بقوة تأثير الجهات التنصيرية وليس هناك
استهداف خطير على شبابنا منهم، موضحاً أنه يجب علينا أن نتفرغ بإيجابية
لتعريف الناس بما لدينا كمسلمين وأن نحث شبابنا باستمرار على القراءة
والاطلاع والارتقاء بثقافتهم وعلمهم عوضاً عن تخويفهم فقط.
وأكد أن المواقع الإلكترونية الإسلامية اليوم متميزة، ولديها من الطاقات
والكوادر ما يجعلها ذات تأثير واضح، كما أن هناك مواقع تعرف يومياً آلاف
الأشخاص بالدين الإسلامي، مشيراً إلى أن ركن الحوار ليس إلا مثالاً واحداً
من مجموعة من المواقع الإسلامية المتميزة والفاعلة.
وأنهى حديثه موجهاً نصيحة للشباب بما يملكه الإسلام والمسلمون، قائلاً:
بادروا بطرح الإسلام، فالإسلام يسوق لنفسه ولا يحتاج الشخص إلى كثيرٍ من
العلم ليعرف بالإسلام ولله الحمد، مؤكداً أن هؤلاء المنصرين يتحملون النقاش
حول ديانتهم لضعف حجتهم وهوانها.
اتّباع لا أتباع
شدد عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الدكتور محسن العواجي على أنه
لا خوف أو توجس من أي موقع تنصيري، وقال إن الحق لا يقاس بعدد الأتباع
وإنما يقاس بالاتّباع " اتّباع الوحي المنزل من رب العالمين"، وبناء عليه
فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.
وأكد أن الرسالة الإسلامية قادرة على مجابهة ومنافسة وكسب الجولات في أي
مناظرة، حتى إن استغل البعض بعض الثغرات الموجودة في طرحنا للمفاهيم
الإسلامية، ما يجعلنا نوظّف هذه الثغرات بطريقة إيجابية لإظهار وإعلاء
الصورة المشرقة للإسلام. واعترف العواجي بتسارع التدفق المعلوماتي، والذي
أوجد فراغاً معيناً لدى الشباب، حتى وجد فجأة نفسه في مواجهة مع العالم
الإلكتروني دون أدنى استعداد، إلا أن هذا الانفتاح الإعلامي والعولمة لها
إيجابياتها أكثر من سلبياتها، وأصبح المفكر والمثقف والعالم الآن مجبراً
على إعادة صياغة خطابه مرة أخرى حتى يصبح عالمياً بعد أن كان محلياً.
الشباب المسكوت عنهم
أما الكاتب نجيب الزامل فقال إن قضية فتاة الخبر أظهرت شيئاً خفياً فوق
السطح وبقيت الكتلة الكبرى، أن هذه الفتاة هي الجزء المكشوف الذي يعرّفنا
على الجزء الأعظم تحت المياه، مشيراً إلى أنه كتب أكثر من مرة محذراً من
تكاثر مَن أسماهم بالشباب المسكوت عنهم.
وقال نحن نتحمّل مسؤولية كبرى في دفع شبابنا للمروق من الدين والوقوع في
منطقة عذاب تفوق عذابات الإغريق الخالدة، هي منطقة سوداء مقززة وضيقة وتسحب
الهواء من الرئة والعقل، ويكون من فيها في صراع للبقاء، مضيفاً أنه تجمّع
لديه في كل مرة عشرات من شباب ظلوا يريدون أن يعودوا، لأن الشك فتك بمادتهم
الحيّة، فالملحد الكامل لا يكون في شقاء في الدنيا على الأقل؛ لأنه استقرّ
على الإلحاد وأقنع نفسه، فارتاح عقلاً ونفساً على الرغم من عمق تيهه
وضلاله وما ينتظره من حساب، إلا هؤلاء المساكين، بقوا عالقين بمنطقة
يتضورون ألماً. وهم يتصلون مباشرة بـ "التويتر" و"الفيس بوك" أكثرهم برسائل
خاصّة، وبعضهم علناً وتصرخ تغريداتهم بالأسئلة التي نراها جرأة محرّمة،
ولكنهم ليسوا جريئين، هم تائهون، تعبون، يرهقهم عقل شقي بالتفكير وتفجّر
بالأسئلة، وبما يعانونه اجتماعياً.